تحليل: ما مستقبل الحرب على التنظيمات الإرهابية في جنوب اليمن؟
الحرب على الإرهاب” في اليمن والجنوب، إستراتيجية إقليمية ودولية، نجحت خلال الثلاث السنوات الماضية في تحقيق نجاحات كبيرة، يعود الفضل في ذلك إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشريك الفاعل في تحالف دعم الشرعية اليمنية الذي تقوده الجارة المملكة العربية السعودية. قدر لليمن الجنوبي أن يكون ساحة للتنظيمات الإرهابية منذ الاتحاد الهش مع الجارة “اليمن الشمالي”، حيث عادوا من عرفوا ب “الأفغان العرب” إلى صنعاء، ليتم إدماجهم في قوات الفرقة الأولى مدرع (أكبر تحالفات الجيش اليمني) عسكريا وفي حزب الإصلاح اليمني “الإخوان”، سياسيا وحزبياً. كان مبرر التحالف مع من كان يطلق عليهم
بالأفغان العرب من قبل نظام صالح “محاربة الاشتراكية في الجنوب”، حيث شارك أولئك في الحرب الأولى على الجنوب منتصف العام 1994م، والذين قال عنهم – حينها – القيادي السابق في تنظيم القاعدة نبيل أبونعيم “إن نظام علي عبدالله صالح منح قيادات القاعدة رتبا عسكرية وأشركهم في الحرب ضد نظام علي سالم البيض، الذي كان قد دخل للتو في وحدة مع صنعاء”. كانت التنظيمات الإرهابية قد كلفت بتصفية قيادات الجنوب، وقد قتل أكثر من 150 مسؤولا جنوبيا في صنعاء ومدن يمنية أخرى، فيما نجا منهم الكثير من محاولات اغتيال. وتزايدت الأنشطة الإرهابية بعد السيطرة العسكرية الشمالية على الجنوب في الـ7 من يوليو (تموز) 1994م، غير أنها انتقلت من تنفيذ هجمات محلية إلى هجمات ضد مصالح إقليمية ودولية لعل من أبرزها تفجير المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في خليج عدن في العام 2000م. يو.إس.إس كول هي مدمرة أمريكية دخلت الخدمة في البحرية عام 1996، تعرضت لهجوم في 12 أكتوبر 2000 في ميناء عدن. وتشير تقارير غربية إلى أن نظام صنعاء استمر باستغلال التنظيمات الإرهابية في تصفية خصومه الجدد وابتزاز الغرب للحصول على دعم مالي وعسكري، حتى إن تلك التقارير أكدت أن نظام علي عبدالله صالح كون رصيدا ماليا ضخما من الدعم الدولي لمحاربة الإرهاب في اليمن. لم يخض نظام صالح وحلفاؤه من تنظيم الإخوان أي حرب حقيقية ضد الإرهاب، بعد أن قدم نفسه للأمريكان كحليف في محاربة الإرهاب، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد كلف النظام رجال الدين في الإخوان للقيام بحملات مناصحة لعناصر تنظيم القاعدة، ناهيك عن ذلك وجهت اتهامات على نطاق واسع لنظامه بدعم التنظيمات الإرهابية بالأموال والأسلحة. في العام 2011م، والذي شهد مطلعه انتفاضة شعبية ضد نظام صالح، وجدت التنظيمات الإرهابية مجالا للتوسع والتوغل وإقامة إمارات إسلامية في الجنوب، وتحديدا في أبين وشبوة، فأوجد ذلك مقاومة محلية تمثلت في اللجان الشعبية، التي شكلت بداية في لودر، وقارعت التنظيم الإرهابي عسكرياً وانتصرت عليه، قبل أن يقوم الأخير بهجمات انتقامية ضد القبائل. حظي التنظيم بدعم كبير من بعض القوى اليمنية، حتى أن قيادات بارزة تابعة له كانت معتقلة في السجن المركزي بصنعاء – شديد التحصين – وتمكنت من الفرار، ووجهت حينها الاتهامات لوزير الداخلية الإخواني عبده حسين الترب. وعلى إثر أزمة 2011م، تقول تقارير محلية إن قوات أمنية في أبين العاصمة الإقليمية للمحافظة زنجبار، عناصر تنظيم القاعدة، التي وجدت نفسها بعد نحو عام قادرة على التمدد صوب بلدة لودر، في مايو (أيار) 2012م، ووجد تنظيم القاعدة أمامه مقاومة شرسة من قبائل لودر التي انخرطت في تشكيلات مسلحة لمواجهة التنظيم المتطرف الذي يضم في صفوفه مقاتلين أجانب من جنسيات مختلفة، وانتهى القتال بهزيمة تنظيم القاعدة، لكن بعد مقتل وجرح المئات من الطرفين. وعلى إثر انتكاسة التنظيم في لودر، توسعت دائرة المواجهة حتى اقتربت قبائل أبين وشبوة من القضاء على التنظيمات الإرهابية، غير أن الحسابات السياسية والعسكرية لحكومة اليمن الجديد، الذي خلفه نظام صالح، حالت دون ذلك، فقط فضل تنظيم الإخوان الذي استلم الحكم من صالح في العام 2012م أن يناصحوا قادة تنظيم القاعدة للتسليم بدلا من قتالهم، غير أن انقلاب الحوثيين وشنهم الحرب على حكومة هادي ساهم في بروز التنظيمات الإرهابية من جديد واحتلالهم لمدن يمنية من بينها وادي حضرموت الذي احتله التنظيم الإرهابي لأكثر من عام، قبل أن يخرج إثر عملية عسكرية واسعة أشرفت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة. دخل نظام هادي في تحالفات علنية مع تنظيمي القاعدة وداعش، غير أن هذا التحالف جعل الكثير من الأطراف الغربية والإقليمية تراجع مواقفها الداعمة لحكومة الرئيس هادي، على الرغم من الدعم القوي له في حربه ضد الحوثيين الموالين لإيران. وجد الحوثيون ضالتهم، خلال عامين، في تراجع المواقف الغربية في دعم حكومة هادي،
ليقدموا أنفسهم أنهم مناهضون للتنظيمات الإرهابية، غير أن هجمات دامية ضربت عدن عقب التحرير أشارت أصابع الاتهام إلى الحوثيين، وتنظيم الإخوان حلفاء الشرعية. لعل من أبرز الهجمات تلك التي وقعت في الـ6 من أكتوبر 2015م، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من تحرير عدن، واستهدفت فندق القصر، مقر حكومة خالد بحاح، بالإضافة إلى هجمات أخرى استهدفت مقرات التحالف العربي، عقب ذلك نشطت التنظيمات الإرهابية في عدن، على نحو متزايد، حيث تعرضت مراكز تجنيد المقاومة لعمليات انتحارية، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها، نتج عنها مقتل المئات أغلبهم مجندون شباب. وعلى وقع هذه الهجمات، وجد التحالف نفسه أمام خطر أشد من الخطر الحوثي، لتأخذ القوات المسلحة الإماراتية على عاتقها معركة تطهير أحياء في عدن كانت معقلا للتنظيمات الإرهابية، من بينها المنصورة وكريتر. اعتمدت الإمارات على قوات عسكرية حديثة “أطلق عليها قوات الدعم والإسناد”، وأطلقت أبوظبي عملية عسكرية أطلق عليها “الحزام الأمني” لتأمين عدن. كان مارس (اذار) هو موعد انطلاق العمليات العسكرية ضد القاعدة، نجحت الإمارات في تأمين مدن عدن ولحج وأبين وشبوة وساحل حضرموت الذي كان إمارة إسلامية استمرت لأكثر من عام. وعلى وقع هذه النجاحات الأمنية، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بعمليات عسكرية نوعية وإنزال جوي في شبوة وأبين والبيضاء، وهي العمليات التي تقول واشنطن إنها حققت نجاحات كبيرة، ضمن جهود الحرب على الإرهاب. لعبت الإمارات (الشريك الفاعل في التحالف العربي) دورا رئيسيا ومحوريا في القضاء الكلي على التنظيمات الإرهابية، غير أن ذلك لم يرق لبعض الأطراف التي تتهمها تقارير غربية بالوقوف وراء نشاط الجماعات الإرهابية، وهو ما يتضح جليا في وادي حضرموت، الذي يعد المعقل الأخير لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى أجزاء من محافظة البيضاء. التدخلات الإقليمية حالت دون استكمال الحرب على الإرهاب وتأمين حضرموت الوادي، والذي تزايدت فيه مؤخرا العمليات الإرهابية. لكن ما يبدو مثيرا للقلق هو تلك التطورات العسكرية التي وقعت في شبوة وأبين، عقب تعرض المحافظتين لغزو عسكري من قبل قوات تتبع تنظيم الاخوان، هذا الاجتياح يتضح أنه أعاد جهود مكافحة الإرهاب إلى نقطة الصفر، خاصة في محافظة شبوة وأجزاء من أبين، باستثناء لودر التي تشهد مناورة على حدودها بغية السيطرة عليها من قبل قوات تتبع وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، الأمر الذي قد يؤسس لصراع قبلي مستقبلا فيما إذا عزم الميسري على دخول لودر، في ظل حديث تقارير على أن القيادي في تنظيم القاعدة الخضر جديب أصبح يقود قوة عسكرية تتبع الميسري، بعد أن قاد في العام 2012م، مليشيا مسلحة من تنظيم القاعدة، وهو ما قد يفتح الباب على مصراعيه لصراع قبلي. القوات المسلحة الإماراتية وعلى ضوء التحركات الأخيرة في تخوم أبين، تحدثت تقارير إخبارية عن إعادة انتشار قامت بها القوات المسلحة الإماراتية في عدن، الأمر الذي فتح باب التساؤلات حول “مستقبل الحرب على الإرهاب، فيما إذا كان انسحاب القوات المسلحة الإماراتية “صحيحاً”. وعلى الرغم من نفي تلك المزاعم، إلا أن جهود الإمارات في محاربة الإرهاب تشدد عليه مراكز أبحاث غربية، من بينها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي أكد على ضرورة تشجيع الإمارات في الاستمرار بجهود محاربة الإرهاب، ردا على حملات إعلامية ممنهجة تشرف عليها وتمولها قطر. وحذر المعهد من مغبة السماح لقوات مأرب التمدد صوب ساحل حضرموت، معتبرا أن ذلك قد يشجع تنظيم القاعدة أكثر، لكن في كل الأحوال جهود الإمارات يجب أن تحظى بدعم شعبي وسياسي خاصة في الجنوب المحرر والمهدد بالسقوط مجددا في قبضة التنظيمات الإرهابية، فالخيار البديل هو العودة إلى نقطة الصفر. ويؤكد المعهد الأمريكي على أن مأرب أصبحت معقلا رئيسيا لتنظيم القاعدة، الأشد تطرفا في الجزيرة العربية. وقد أثارت صور لوجود عناصر القاعدة تقاتل في صفوف القوات الموالية لهادي خلال توغلها صوب الجنوب، أثارت مخاوف أمريكية من أن كل الجهود التي قدمت في سبيل القضاء على تنظيم القاعدة في الجنوب قد أصبحت على كف عفريت، في ظل تداخل أطراف إقليمية وراء دعم التطرف لإدخال الجزء المحرر من اليمن في أتون الفوضى. الحوثيون – وهم أقلية شيعية – أبرموا صفقات تبادل مع تنظيم القاعدة، مقابل الإفراج عن قيادات حوثية بارزة، وهي أكبر صفقة تبادل مع تنظيم القاعدة في العالم، حيث أفرج الحوثيون عن قيادات بارزة في تنظيم القاعدة كانت معتقلة لدى جهاز المخابرات اليمني في صنعاء، وهذا الصفقة، التي ظهرت إلى الإعلام، كشفت
أن الكثير ممن تم الإفراج عنهم متورطون في هجمات إرهابية ضد مصالح غربية، ظهر البعض منهم في شبوة خلال أغسطس (آب) الماضي، الأمر الذي اعتبر نسفا لكل تلك الجهود التي بذلت في الحرب على الإرهاب. قائد الحزام الأمني بأبين عبداللطيف السيد دور الإمارات في مكافحة الإرهاب أثار غضب تنظيم الإخوان، وهو ما انعكس على التناول الإعلامي للتنظيم عقب السيطرة على شبوة، لكن ذلك عزز من ضرورة وجود أبوظبي كحليف استراتيجي للعالم في محاربة الإرهاب. كثف الإخوان من مطالبهم للسعودية بإخراج الإمارات من السعودية، إلا أن الرياض أكدت على أهمية وجود أبوظبي كحليف استراتيجي في محاربة التمدد الإيراني والتنظيمات الإرهابية، خاصة وأن السعودية تخوض أيضا حربا ضد الجارة “قطر” التي تعد الداعم الرئيس للجماعات الإرهابية، وتقف مع الرياض “أبوظبي والمنامة والقاهرة”، في تحالف رباعي أعلنت المقاطعة لقطر، حتى تتوقف عن تمويل التنظيمات الإرهابية. لا يتوقع أن تطرأ أي متغيرات على جهود الحرب على الإرهاب في جنوب اليمن، والترتيبات العسكرية والأمنية التي يجري الحديث عنها، قد تعزز ذلك، وقد تمنح أبوظبي خيارات أقوى وأكبر في المضي بالمشروع، خاصة في ظل وجود عامل رئيس في مكافحة الإرهاب، والمتمثل في القوات الجنوبية التي نجحت في تحقيق انتصارات كبيرة ضد الإرهاب، بعد أن اعتمدت أبوظبي على قادة عسكريين جنوبيين لهم باع طويل في الحرب على التنظيمات المتطرفة. بقاء الإمارات في جنوب اليمن المحرر من الحوثيين، ودعم توجهاتها في القضاء على الإرهاب مسألة استراتيجية، في ظل تزايد التجاذبات الإقليمية والدولية للسيطرة على الجنوب بموقعه الاستراتيجي الهام. وما يعزز جهود التحالف الإسلامي الذي تقود السعودية في محاربة الإرهاب والتطرف، يتمثل في منح الجنوب حكماً ذاتياً، بحل قضية الجنوب التي جاءت نتيجة فشل الاتحاد الهش بين عدن وصنعاء، ما لم فإن جهود مكافحة الإرهاب قد تشوبها الكثير من العراقيل. منح الجنوب حكماً ذاتياً، لا يمثل الحل لقضية سياسية، وإنما يقطع الطريق أمام جماعات العنف السياسي “الإسلام السياسي”، والذي يعد المجلس الانتقالي الجنوبي، ممثل الجنوب، أحد الركائز الأساسية في محاربتها. شبوة