تحليل: الحرب في اليمن والحل في واشنطن
هجوم الحوثيين الكثيف على منشآت النفط السعودية أطلق عليه اسم “ميزان الردع الثاني”، وميزان الردع الأول سجل قبل بضعة أسابيع عندما هاجموا صهاريج ومنشآت للنفط في السعودية والإمارات. المتمردون المؤيدون من إيران جنوا الثمار عندما بدأت دولة الإمارات بسحب قواتها من اليمن. وردوا على هذه الخطوة بوقف هجماتهم ضد دولة الإمارات. نجاح الهجوم سيحث الحوثيين على مواصلة مهاجمة أهداف سعودية، على بعد 1500 كم، بواسطة طائرات إيرانية بدون طيار. الهدف هو أن تسير السعودية في الطريق نفسه الذي سارت فيه دولة الإمارات وتوقف الهجمات ضد أهداف الحوثيين. إضافة إلى ذلك، يأمل الحوثيون في تعزيز مواقع قوتهم في المفاوضات الآخذة في التبلور قبيل حل سياسي للأزمة في اليمن.
إن دق إسفين بين السعودية والإمارات فكك فعلياً “التحالف العربي” الذي أسسته الرياض في 2015. هدف التحالف الذي تعد الولايات المتحدة عضواً فيه أيضاً، كان وقف نفوذ إيران واستئصال نظام حكم الحوثيين الذين احتلوا قبل سنة العاصمة صنعاء، وتحويل اليمن إلى دولة تحت رعاية السعودية.
الولايات المتحدة بدأت مؤخراً محاولة أخرى لإجراء مفاوضات مباشرة مع الحوثيين. وقد ساهم في ذلك إدراك واشنطن بأنه لن يكون في اليمن حل عسكري للحرب رغم القدرة العسكرية المتفوقة للسعودية والإمارات، وتغيير سياسة الرئيس ترامب تجاه إيران وجهوده لإجراء مفاوضات مباشرة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.
في تموز الماضي بدأت دولة الإمارات والحوثيون في إجراء مفاوضات، كما كشف عن ذلك الشيخ نعيم قاسم، نائب سكرتير عام حزب الله، حسن نصر الله، في مقابلة مع شبكة “الميادين” في الشهر نفسه. إيران التي سمحت للحوثيين بفتح سفارة في طهران، يبدو أنها شريكة نشطة في هذه المفاوضات، وربما تعتبرها رافعة لتسوية الأمور بينها وبين السعودية، بعد أربع سنوات من القطيعة والعداء. وفي المقابلة نفسها أوضح قاسم بأن إيران كانت دائماً مع الحل السياسي في اليمن، وأنه “إذا توصل الطرفان إلى اتفاق فقد يتوسع ويشمل جميع الأطراف المشاركة والمؤثرة”. أي أنه سيحسن العلاقات بين دول الخليج وإيران.
هذه الخطوة ستفسر في الحقيقة كنجاح لصالح الحوثيين وإيران، لكنها أيضاً ستحرر السعودية من حرب كلفتها حتى الآن عشرات مليارات الدولارات، وثمنها مستمر في الارتفاع. ومن شأنها أيضاً أن تحسن مكانة الرياض في واشنطن، وستؤدي إلى إنهاء الصراع بين الكونغرس وترامب حول بيع السلاح للسعودية.
حل سياسي لا يمكن أن يتلخص بوقف إطلاق النار أو انسحاب القوات؛ فهو يحتاج إلى عرض خارطة طريق سياسية واقتصادية لفترة ما بعد الحرب، وتوزيع مراكز القوة السياسية وتطبيق ميزانية متساوية يجب حلها بصورة مرضية لرغبة الحوثيين. هذان الأمران كانا خلال سنوات ذريعة للحرب بين الحوثيين والنظام في اليمن، قبل فترة طويلة من تأطير الحرب في اليمن واعتبارها صراعاً بين إيران والسعودية والولايات المتحدة.
السعودية ستتحمل العبء
رغم الخلافات الداخلية في قيادتهم، يدرك الحوثيون أن من سيتحمل عبء إعادة إعمار اليمن هي السعودية ودول الخليج وليس إيران. استقرار النظام في اليمن بقيادتهم وبتعاون أحزاب وقبائل تؤيد الحكومة المعترف بها والعاجزة برئاسة عبد ربه منصور هادي، ستعتمد في الأساس على علاقات النظام المستقبلي مع الدول المجاورة. وأشاروا إلى ذلك بصورة غير مباشرة عندما أكدوا في خطابات وتصريحات عن دور الولايات المتحدة وإسرائيل في الحرب. هاتان الدولتان تم عرضهما وكأنهما فرضتا على السعودية والإمارات شن الحرب على الحوثيين كجزء من صراعهما ضد إيران. هذا التعرج الخطابي استهدف التوضيح بأنه لا يوجد خلاف بين السعوديين والحوثيين على الصعيد الأيديولوجي، الديني أو الاستراتيجي، وفي اللحظة التي ستتوقف فيها الولايات المتحدة وإسرائيل عن التدخل فيما يحدث في اليمن فبالإمكان التوصل إلى حل.
هذه الرؤية ربما تكون مقنعة في المراحل الأولى للحرب. ولكنها -بعد أربع سنوات قتل فيها عشرات آلاف المواطنين في اليمن بسبب القصف والجوع والمرض، وملايين المواطنين الذين أصبحوا بلا مأوى ويعيشون في حالة فقر شديد- لم تعد مجرد حرب أهلية، بل تطورت إلى حرب بين دول بواسطة مبعوثين، مثلما حدث في سوريا وليبيا. هذا صراع دولي على المكانة والنفوذ، في مكانة دولة تشبه بدرجة كبيرة مكانة أفغانستان. اليمن ليس له أهمية اقتصادية، وأهميته الاستراتيجية محدودة بسبب تموضعها على مدخل البحر الأحمر.
حكم البحر الأحمر ومضيق باب المندب ليس مثل حكم مضائق هرمز والخليج الفارسي، ليس من ناحية حجم التجارة وكمية النفط التي تمر بها. فاليمن محاط بدول قوية مثل مصر والسعودية، ومحاط بالأسطول الأمريكي، وعلى بعد محاط بإسرائيل أيضاً. وهذه تضمن الملاحة الحرة في المنطقة بدون احتلاله، حتى لو كانت تحت قيادة الحوثيين. الخوف في هذه الحالة هو من زيادة تواجد إيران العسكري في اليمن، ولا سيما على طول شواطئه. ولكن خلافاً لمكانتها ومصالحها في لبنان وسوريا، فإن وجود جيش أو أسطول إيراني على بعد كبير من موانئ الخليج، تعارض استراتيجية طهران وتفرض عليها عبئاً اقتصادياً وعسكرياً كبيراً. وإيران لن ترسل ألوية من جيشها إلى سوريا أو لبنان، فيما هي في العراق تعتمد بالأساس على مليشيات محلية. أحد المخاوف الأخرى هو أن يشكل الحوثيون ممثلية عسكرية لإيران، بما يشبه حزب الله في لبنان. وهنا يجدر التفريق بين الحوثيين وحزب الله. فالحوثيون ليسوا شيعة أرثوذكسيين مثل الشيعة في لبنان. من هنا، فإن الحلف الديني مع إيران طالما هو قائم فذلك نتيجة رؤية غربية ورؤية إسلامية سنية. إيران لم تنشئ القوات الحوثية مثلما رعت حزب الله. إيران ركبت موجة تمردهم واستغلتها ضد حكومة اليمين قبل ثورة الربيع العربي وبعدها. وهي لا تستطيع بالضرورة الاعتماد عليهم بعد الحرب. إضافة إلى ذلك، الحوثيون هم خليط من القبائل ويعانون من الانقسام الداخلي، وتوحدوا من أجل محاربة طبقة حاكمة، وبالأساس من أجل شريحة مناسبة من الميزانية. ومما لا شك فيه أن يتجندوا للمحاربة من أجل إيران أو من أجل أي دولة أخرى بعد أن التوصل إلى اتفاق حول نصيبهم في الحكم، المتوقع أن يكون كبيراً.
وبالنسبة إلى جميع الأطراف، يبدو أن الحرب في اليمن وصلت إلى مرحلة النضج التي تمنح للحل السياسي احتمالات جيدة نسبياً. تعب أمريكا والخلافات، إذا لم نقل التمزق، بين السعودية والإمارات، وضغط الدول الأوروبية من أجل إنهاء الحرب، وعدم وجود حسم عسكري، والمفاوضات المرتقبة بين إيران والولايات المتحدة، كل ذلك يتجمع ليشكل فرصة من أجل إنهاء المأساة الإنسانية الأكثر خطورة