مقالات

مساحة حضرموت والمهرة لا تدخل في إطار دولة الجنوب العربي

مقال.. محمد غالب أحمد
خاص.  صدئ شعب الجنوب

 

(يناير شهر التصالح والتسامح )
لقد استغربت كما استغرب غيري عندما فاجأنا الاخ العزيز هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي بإعلانه من العاصمة الفرنسية باريس في حفل ساهر : رقص وغناء عربي عن تشكيل ((جالية أبناء الجنوب العربي)) هناك، ومثل هذه الأمور قد تعودنا عليها من العزيز هاني بن بريك، فقد أعلن ونشر في العام الماضي أيضا هذا الإبداع “إننا سوف نمنح المملكة العربية السعودية أكبر قاعدة عسكرية في الجنوب”، وهي تستحق ذلك برغم أن المملكة الشقيقة تعلن باستمرار بأنها جاءت إلى اليمن لمساعدة شعبه في استعادة سيادة بلاده وإنهاء انقلاب مليشيا الحوثي ولدعم اعادة الشرعية بناء على طلب رسمي من الرئيس عبدربه منصور هادي، وأكدت المملكة الشقيقة عدم وجود أية رغبة أو نوايا لديها لتحقيق اية مصالح أو الانتقاص من سيادة الأراضي اليمنية.. ولكنني تفاجأت واستغربت كثيرا عند إعلان الاخ العزيز المناضل عيدروس قاسم الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي مؤخرا في مقابلة تلفزيونية بالعاصمة الروسية موسكو وبصوته بأنه سيتم الإعلان ((عن استعادة وقيام دولة الجنوب العربي المستقلة وذات السيادة))..
وأسباب استغرابي ألخصها فيما يلي:
1- أنه لم يكن هناك دولة اسمها دولة الجنوب العربي حتى يتم استعادتها مستقلة ذات سيادة، بل كان هناك كيان ورقي هش أعلنته دولة الاستعمار بريطانيا يوم 11 فبراير 1959 م واسمته (اتحاد إمارات الجنوب العربي) تكون من السلطنات والإمارات والمشيخات التي أصبحت تسميتها بعد الاستقلال : محافظات لحج وأبين وشبوة.
2- ولم تنخرط ضمن ذلك الوليد الغير الشرعي مستعمرة عدن مباشرة عند إعلانه.
3 – إن دولة الاستقلال التي أستمرت منذ 30 نوفمبر 1967م حتى 22 مايو 1990م واسمها جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ثم جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وهي الدولة التي نالت الاعتراف الرسمي الكامل والموثق في البيان الصادر عن محادثات جنيف بشأن الاستقلال بين وفد المملكة المتحدة ووفد الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل والصادر في جنيف يوم 29 نوفمبر 1967 ((ونص ذلك البيان مرفق نسخة منه مع هذه الأسطر المتواضعة)) ولمن يرغب في الاطلاع على نص البيان الأصلي سيجده في الصفحة رقم 135 من كتاب الأستاذة اسمهان عقلان العلس باسم : (مفاوضات استقلال جنوب اليمن، الوثائق الأصلية، دراسة وثائقية وتحقيق) : وقد اعترفت الدولة المستعمرة بالدولة المستقلة يوم 30 نوفمبر 1967م كما اعترفت الأمم المتحدة والجامعة العربية وكل منظمات ودول العالم .
4 – أن الاخوة الذين يدعون الى استعادة دولة الجنوب ولهم كل الحق في أن يقولوا ذلك بعد أن ذبحت حرب 7 يوليو الأسود 1994م وحدة 22 مايو السلمية من الوريد إلى الوريد ولكنهم للأسف ظلوا يخفون رغبتهم الحقيقية حتى ما سمعناه من باريس و من موسكو وظلوا منذ عام 2017م يختصرون اسم الدولة المنشودة تحت اسم : دولة الجنوب المستقلة وذات السيادة : برفع العلم المقدس لدولة الاستقلال المجيد وهو المكون من الألوان التالية : الأسود والأبيض والأحمر والنجمة الحمراء والمثلث الأزرق المعبران عن الثورة التي يحميها الشعب دون أن يوضحوا أسباب عدم رفعهم علم ما أسموها مؤخرا دولة الجنوب العربي مع أن مناضلي ومناضلات الحراك الجنوبي السلمي الباسل قد رفعوا هذه الراية منذ بدء حراكهم العملاق وظل الحراكيون البواسل يرفعون راية اليمن الديموقراطية بكل اقتدار وشجاعة في ثورة سلمية أبهرت العالم وهزت أركان سلطة 7 يوليو الأسود وسقط المئات من الشهداء الأماجد وآلاف الجرحى الأبطال من حملة هذه الراية، ولكنهم لم يطالبوا بعودة دولة أسمها : دولة الجنوب العربي : بل كانوا يحلمون باستعادة الدولة التي يرفعون علمها ويخضونه بدمائهم قبل استشهادهم أو إصاباتهم.
5 – ان العلم الذي أعدت بريطانيا قياساته والوانه مرفق صورة له لمعرفته مع الوانه.
6 – أرجو مخلصا من الاخوة أصحاب هذه الدعوة أن يرفعوا بكل قناعة وثقة علم الدولة التي سموها علنا وأمام الشعب والعالم ليكون هدفهم اسما على مسمى : وللعلم فقد تم إحراق ذلك العلم في المظاهرات الطلابية والجماهيرية التي شهدتها عدن يوم 11 فبراير 1967م تزامنا مع وصول بعثة لجنة الأمم المتحدة لتصفية الاستعمار، ومع الذكرى الأخيرة لذلك الوليد اللقيط والمشوه الذي مات تحت أقدام جماهير ومناضلي ثورة 14 أكتوبر الخالدة وعمره 8 أعوام فقط، وفي ذلك اليوم استشهد الفدائي عبود مهيوب علي غالب الشرعبي – من تعز في حي الهاشمي الشيخ عثمان وهو يدافع عن المناضلة نجوى مكاوي التي تعرضت للضرب والإهانة من جنود الاستعمار فأقبل الشهيد عبود ونحن نراه بأعيننا عن بعد يحمل رشاشه وقضى على كل الجنود البريطانيين بين قتيل وجريح ثم ارتقى إلى ربه شهيدا دفاعا عن حياة وكرامة إحدى مناضلات عدن الحبيبة.
7- إن مساحة السلطنات والمشيخات والإمارات التي صنعت منها بريطانيا ما أسمته : اتحاد إمارات الجنوب العربي والمسماة بعد الاستقلال محافظات لحج، أبين وشبوة، وأخيرا محافظة عدن قبل الاستقلال بفترة قليلة هي كما يلي : محافظة لحج : اثنا عشر الف وستمائة وثمانية وأربعين كيلومتر مربع، محافظة أبين : واحد وعشرين الف وتسعمائة وأربعين كيلومتر متر مربع، محافظة شبوة : سبعة وأربعين ألف وسبعمائة وثمانية وعشرين كيلومتر مربع، محافظة عدن التي ظلت مستقلة داخل ذلك الكيان : كمستعمرة عدن : ومساحتها : الف ومائة وعشرة كيلومتر مربع، وبهذا يكون إجمالي مساحة ذلك الكيان البائد : 83,426 كيلومتر مربع، أما مساحة المناطق التي لم يضمها الاستعمار بشكل متعمد مع كيانه المذكور فهي سلطنات القعيطي والكثيري والمهرة التي أصبحت بعد الاستقلال محافظتي حضرموت والمهرة فإن مساحتها كما يلي : محافظة حضرموت : مائة وواحد وتسعين ألف وسبعمائة وأربعين كيلومتر مربع، محافظة المهرة ستة وثمانين ألف ومائتين وواحد كيلومتر مربع، وبهذا يكون إجمالي مساحة هاتين المنطقتين مائتين وسبعة وسبعين ألف وتسعمائة وأربعين كيلومتر مربع..
وبالتالي وطالما أن عبارة : الجنوب العربي لم ترد إلا ضمن اتحاد الإمارات المباد فقط، لذلك فإن دولة الجنوب العربي التي سمعنا عن ذكرها من باريس وأخيرا من موسكو لم تدخل في إطارها مساحة حضرموت والمهرة (حيث أن سلطنات القعيطي والكثيري والمهرة لم تكن ملحقة بذلك الاتحاد السيئ الذكر) .
قبل الختام : أحييكم أيها الاخوة والأخوات الأعزاء والعزيزات على قلبي في المجلس الانتقالي الجنوبي / وفضلا منكم مع كل الاحترام لقراركم السياسي التكرم بدعوة الجمعية الوطنية للانعقاد لكي تناقش وتقر وتعلن البرنامج السياسي للمجلس الموقر وكذا ما يخص الدولة المنشودة واسمها وما تستندون إليه بشأنها سياسيا وقانونيا وتاريخيا حتى يعرف الجميع كل الأمور بشكل واضح وجلي، وإذا كان هذا الطلب يعتبر لديكم غير مستحب وتدخلا في شؤونكم فإنني أعتذر عن طرحه والأمر متروك لكم، وتقبلوا مني كل المودة والتقدير .
في الختام : أود أن أوضح لجميع القراء بأن شعب جنوب السودان ليس عربيا ولا مسلما بل هم سودانيون قوميتهم أفريقية أعزاء على قلوبنا، وقد ناضلوا ببسالة ضد الاستعمار البريطاني وشاركوا في بناء دولة السودان الحبيب المستقلة والدفاع عنها، ومع ذلك فقد عانوا كثيرا من القتل والقهر والظلم، ولكنهم لم يتخلوا عن أصلهم كسودانيين، حيث أعلنوا دولتهم المستقلة قبل سنوات قليلة أسموها من يوم إعلانها وحتى اليوم (دولة جنوب السودان).. والله من وراء القصد.
* عضو المكتب السياسي – رئيس دائرة العلاقات الخارجية للحزب الاشتراكي اليمني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى